الحمد لله امتن على الكون والكائنات بإشراق نورسيد الوجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أشرف المخلوقات
والله ما خلق الآله ولابــرى أحداً يُرى كمحمدٍ بين الورى
يقول كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد وإلى هذا الحديث الذي أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه وصححه الحاكم استند القائل في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم
لو أبصر الشيطان طلعة نوره في وجه آدم كان أول من سجد
صلوات الله وسلامه عليك وعلى آل بيتك وأصحابك ياسيدي يارسول الله
يا من لو كنت من شيء سوى بشر كنت المنوّر ليلة البدر
عزيزي القارئ: ها قد دار الزمان دورته وأقبلت ليلة المولد النبوي الشريف التي فضلها العلماء على ليلة القدر بواحد وعشرين سببا من أراد الوقوف عليها فعليه بمطالعة كتاب المعيار للونشريسي ومن تلك الأسباب: أن القدر هو الشرف وشرف كل ليلة بما فيها وما في ليلة المولد النبوي الشريف هو النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعدل بشيء.
لن نتحدث عن مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فقد كفانا العلماء مؤونة ذلك بعدما فرغوا من تقرير أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف إنما هو في حقيقته إظهار للفرح برحمة الله والفرح برحمة الله مطلوب ومشروع قال تعالى في سورة يونس (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحو هو خير مما يجمعون) فضل الله هو الاسلام ورحمة الله في أقرب وأقوي تفسير لها إنما تنصرف إلى رسول الله صلى عليه وسلم بقرينة قوله تعالى (وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين) وقوله صلى الله عليه وسلم كا في الصحيح (إنما أنا رحمة مهداة) وليس هذا الجمع الكريم، وليس هذا الاحتفال المبارك إلا مظهرا من مظاهر الفرح بهذه الرحمة المهداة .
أيها الأحباب لن نتحدث عن مشروعية الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأننا نعلم أن الجزاء من جنس العمل فمن فرح برسول الله صلى الله عليه وسلم فرح به رسول الله، ومن فرح به رسول الله، فرح به الحق تبارك وتعالى ومن فرح به الحق أحبه ومن أحبه أوصله ومن أوصله أشهده ومن أشهده عرّفه ومن عرّفه كتبه في ديوان الأولياء.
فدعونا لانضيع الوقت في الرد على من يزعم عدم مشروعية الفرح برحمة الله وحسبه أن القرآن خصمه فإن احتج بالترك قلنا له أن الترك ليس بسنة ولاينهض دليلا على عدم مشروعية الفعل ثم إن الترك غير مسلّم به في هذه المسألة فقد كان صلى الله عليه وسلم يحتفي بذكرى مولده فقد كان يصوم يوم الاثنين وعندما سئل عن ذلك قال ذلك يوم ولدت فيه وثبت أنه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه في حال الكبر والمعلوم أن العقيقة لاتتكرر فقد عق عنه جده عبد المطلب وإذن لم يفعل ذلك إلا إحتفاء بيوم مولده الذي عم خيره ونوره الكون كله.
دعونا نلتفت إلى ما هو أهم من الجدل نفيا وإثباتا دعونا نلتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى ما خصه به ربه من الفضائل والكمالات فبذلك تزداد مكانته في قلوبنا وإذا ازدادت مكانته إزداد حبنا له وإذا ازداد حبنا له ازداد إيماننا بالله وإذا ازداد إيماننا بالله ازداد قربنا من الله وإذا ازداد قربنا من الله كنا من أهل السعادة إن شاء الله .
إن ظاهرة ضعف الإيمان التي نراها متفشية في مجتمعاتنا ليست إلا نتاج ضعف إنتمائنا إليه صلى الله عليه وسلم وبعدنا عنه ، وعدم تحققنا بمحبته ، لوصدق إنتماؤنا إليه ، لو صحت محبتنا له وفيه، لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضراً في مجالسنا بأقواله ، حاضراً في جوارحنا بسلوكه وأفعاله ، حاضراً في أرواحنا بأحواله ، ولانعكس ذلك كله على قلوبنا فتحققت بالإيمان الكامل بالله ، والإيمان الكامل بـرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وهكذا كان التابعون لهم وتابعوهم من أهل القرون الخيّرة.
كان الرجل منهم ـ ولن أسوق هنا إلا ماصح من الأحاديث والأخبارـ إذا خدرت رجله وقيل له أذكر أحب الناس إليك يزل عنك ما تجد يصيح وامحمداه فتنتشر رجله .
وإذا حضرت أحدهم الوفاة وصاحت امرأته واحزناه يقول بل واطرباه غداً ألقى الأحبه، محمداً وصحبه وإذا آوى أحدهم إلى فراشه من الليل سمع وهو يذكر من شوقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه من المهاجرين والنصار يسميهم ويقول هم أصلي وفصلي وإليهم يحن قلبي فعجل بقبضي إليك ياربي إلى أن يغلبه النوم.
وكانت المرأة منهم إذا قتل زوجها وأبوها وأخوها تقول ما فعل رسول الله فإذا قيل لها هو بحمد الله كما تحبيـن تقول أرونيه، فإذا رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل يارسول أي هينة جلل من الأضداد في اللغة تأتي بمعنى العظيم والهين
وكانت إحدى أزواجه صلى الله عليه وسلم إذا انطفأ المصباح وأرادت أن تدخل الخيط في الإبرة دنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخلت الخيط على ضوء جبينه وقالت أنت أحق بقول أبي كبير الهذلي حيث يقول :
وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه لمعت كلمع البارق المتهلل
وإذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم للحلاقة أطاف به أصحابه فما يـريدون أن تقع شعرة إلا في يد واحد منهم.
وإذا قيل لإحدهم صف لنا محبتكم لرسول الله قال كان والله أحب إلينا من أهلنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا وأموالنا ومن الماء البارد على الظمأ.
وإذا جلس أحدهم مجلسا للحديث وذكر عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى وانحنى حتى يصعب ذلك على جلسائه من شدة شوقه إلى ر سول الله صلى الله عليه وسلم .
كانوا والله كما وصفهم الإمام الحسن البصري في قوله أدركت قوما لو رأيتموهم لقلتم عنهم مجانين ولو رأوكم لقالوا عنكم غافلين.
أيها الأحباب السلف الصالح رضوان الله عليهم كانوا يتلقون عن شيوخهم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتلقوا عنهم العلم ولهذا انتفعوا بعلمهم فلم يكن شقشقة باللسان وإنما كان شجرة إيمانية وارفة تفئ بظلالها وثمارها على العالمين
ولن تنقطع هذه المحبة ، ويجب أن لانقول إنها أمـر خاص بالسلف الصالح رضوان تعالى عنهم بل هي متواصلة وممتدة واسمعوا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: إن من أشد الناس حبا لي ناس يأتون من بعدي يودُّ أحدهم لورأني بأهله وماله.
أيها الأحباب: يجب أن يكون إحتفالنا بالمولد النبوي الشريف وقفة نراجع فيها انفسنا ونربط فيها قلوبنا بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألسنتنا بأقوال رسول الله، وجوارحنا بأفعال رسول الله وأرواحنا بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم فبهذا وحده والله الخلاص والنجاة.
وبهذا وحده نتحقق بمعية إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم التى من تحقق بها انفتحت عين بصيرته وتبرأ من الشرك قال تعالى قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين.
نسأل الله أن يعيد على الأمة من بركات هذا المولد النبوي الشريف ما ينهض بها من كبوتها
المصدر:صحيفه ليبيا اليوم
محمد المزوغي – (خاص) ليبيا اليوم